الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة في فروع المالكية ***
وفي الكتاب: إذا وكلته فاسلم لولده أو لغيره (صح في كل أحد بغير محاباة إلا في نفسه أو شريكه المفاوض له؛ لأنه كنفسه) أو من يلي عليه من ولدن أو يتيم أو سفيه ونحوه؛ لأن مقصود الوكيل توفير النظر للموكل، وهو متعذر في هذه الصور فالوكيل معزول عنها فلا ينعقد التصرف مع العزل، وقاله (ش) و(ح)، قال سند: ويختلف فيه، كالمرأة تقول لوليها: زوجني ممن شئت، ومنع أبو عمران عبده ومدبره وأم ولده، وأجازه في الكتاب إذا انتفت المحاباة، فإن باعها من نفسه ثم باع فربح: قال ابن حبيب: الربح للأول إلا أن تكون القيمة أكثر، وإن أعطيناه حكم البيع الفاسد نفذ البيع الثاني. فرع: في الكتاب: إذا وكلته ليسلم دراهم في طعام فأسلمها في بساط، أو زاد في الثمن غير المعتاد، لا تجيز فعله لصيرورة الدراهم دينا عليه بالتعدي فيفسخا في السلم فسخ دين في دين، وبيع منه الطعام الذي وجب له قبل قبضه، وإذا لم يدفع له دراهم صحت الإجارة، وامتنع تأخيره إياك بالثمن؛ لأنه بيع للمبيع الذي هو دين به بدين عليك، قال سند: إن علم بالعقد فلم ينكره فهو رضا به، أو علم بعد بالعقد قبل تسليم الثمن خير في الإمضاء، فإن امتنع ولم يبين الوكيل للبائع أنه متعد كان عقدا موقوفا يجوز في مدة يجوز تأخير النقد فيها، فإن لم يبين ولم ينقد خير الآمر، لعدم التعدي على الثمن، فإن تعدى فيه وشهدت البينة بعينة خير بين أخذه، وبقي البساط للمأمور، ويبين تركه وتغريمه للوكيل لا بسبب التعدي، وله إمضاء العقد لعدم تعينه دينا، فإن فاتت عين الثمن فهي مسألة الكتاب: قال اللخمي عن مالك: له إجازة العقد غي البساط مطلقا. وإن لم ينظر فيه حتى حل الأجل له أخذه قولا واحدا، قال ابن يونس: متى كان في البساط فضل أن بيع بنقد، فله بيعه وأخذ الفضل اتفاقا؛ لأن كل مأذون له في تحريك المال لا يكون له فضل والآمر مقدم عليه فيه. فرع: في الكتاب: إذا هلك رهن السلم الذي يغاب عليه فضمانه منك، وله مقاصته من السلم بما وجب له عليك، إلا أن يكون (الرهن أحد النقدين، إلا أن يكون) رأس مال السلم غيرهما، وإن كان السلم في طعام امتنع مطلقاً؛ لأنه بيع الطعام قبل قبضه، وليس إقالة وإلا شركة ولا تولية، قال سند: إن كانت المقاصة عند حلول الأجل اعتبر أمران: جواز بيع المسلم فيه قبل قبضه، وأن تكون قيمة الرهن يجوز أخذها في رأس مال السلم، وقبل الأجل يراعى معهما أن يكون الرهن من غير جنس المسلم فيه، فإن كان الرهن والثمن عينين من جنس، وكان الرهن في العقد أجازه أكثر الأصحاب إذا طبع عليه، ومنعه التونسي؛ لأنه آل الرهن إلى تأخير رأس المال بشرط فيفسد. وجوابه: أن الختم يبطل هذه التهمة، ومنع ابن القاسم مع اتحاد الجنس محمول على تأخيره بعد العقد والمخالفة في الصفة للتهمة في الصرف الفاسد، فإن استوت الصفة والجنس انتقت التهمة، قال ابن يونس: لو كان الرهن في طعام قرض جازت المقاصة لجواز بيعه قبل قبضه، قال محمد: تمتنع المقاصة مطلقا كيف كان الرهن، وكيف كان رأس المال؛ لأن الرهن لو ثبت تلفه بالبينة سقط فلا مقاصة، وإن لم يتلف فهو عندك، فلا يحل لك أن تقول له: احبس ما عندك من الطعام بسلعة هي لك، قال سند: لو كان الرهن من جنس المسلم فيه جاز أخذه عن المسلم فيه إن كان قائما بيدك أو عند أمين، قال صاحب التنبيهات: جوز في الكتاب رهن طعام في سلم في مثله، فتأول ابن الكاتب فيها جواز رهن مثل رأس المال، وخالفه لأنه تأخير رأس المال. فرع: في الكتاب: إن مات كفيل السلم قبل الأجل حل بموته؛ لأنه كالغريم والذمم تخرب بالموت، ولا يحل بموتك ورثتك مكانك؛ لأنه من حق الأموال فتنتقل إليهم، قال سند: منع ابن حنبل الكفالة؛ لأنها تؤدي إلى استيفاء المسلم فيه من غير المسلم إليه كالحوالة، وهو يلزم (ش) و(ح)؛ لأنهما يمنعان بيع المسلم فيه مطلقا، ونحن نجيز البيع والحوالة في الجملة، وفرقا بأن الحوالة تطالب فيها ببدل حقك، وفي الحمالة بنفس حقك، وبحلول المؤجلات بالموت، قاله الأئمة. قاعدة: الحقوق قسمان: مالا ينتقل بالموت، كالنكاح والتمليك والتخيير والوكالة، وما ينتقل: كالشفعة والرد بالعيب والرهن. وضابط البابين: أن المنتقل الأموال وحقوقها؛ لأنهم يرثون الأموال فيرثون ما يتبعها، والخاصة ببدنه وآرائه قال لا تنتقل؛ لأنهم لا يرثون بدنه، ولا عقله. فرع: في الكتاب: للكفيل مصالحتك عن العروض بالعروض المخالفة لها، وبالطعام والعين نقداً إذا اشترى لنفسه، إن كان الغريم حاضراً مقراً، نفياً للغرر؛ لأن بيع العروض قبل قبضها جائز، وإن كان الغريم بالخيار إن شاء أعطاه ما عليه امتنع؛ لأنه غرر، ومنع (ش) و(ح) بيع الدين قبل أجله؛ لقوله - عليه السلام - في أبي داوود: " من أسلف في شيء فلا يصرفه إلى غيره ". وجوابهما: الضمير عائد على المسلم فيه، فنهى عن فسخ الدين في الدين، قال سند في الموازية: ولا تجوز مصالحة الغريم بأكثر من رأس المال تنزيلاً له منزلتك، وجوزه التونسي وغيره، وهو الأظهر، تنزيلاً للكفيل منزلة الأجنبي، والشبهان في الكفيل، وعن مالك: إذا ثبت الدين ببينة، وعلم حياة الغريم جاز بيعه، ولا يشترط حضوره؛ لأن الظاهر تحققه فالغرر منتف، وإذا اشترطنا الحضور على ما في الكتاب: فمعناه إذا كان قبل الأجل، أما عند الأجل فقد توجه الحق على الكفيل: فله تخليص نفسه، فإن صالح الكفيل الغريم لا لنفسه بأمره جاز بما تجوز به مصالحة الغريم أو بغير أمرك وعلمك، فهو عقد موقوف يمتنع فيما يمتنع فيه الخيار، ويمتنع على أصل ابن القاسم مطلقاً، كما تمتنع الإقالة في السلم على الخيار، وفسخ الدين في شيء فيه خيار، ويجوز على أصل أشهب، فإن لم يعلمك فأجازه ابن القاسم مرة وألزم الغريم الأقل من الدين أو ما صالح به الكفيل، ومنعه مرة ورآه غرراً ومنعه مرة؛ لأن الكفيل لا يعلم ما يختار الغريم، وجعله محمد كالوكيل ينفذ، فإذا حل الأجل وقبض السلم بيع اشترى الكفيل ما دفع، والزيادة للمكفول، أو النقص من الكفيل، وهذا الخلاف إذا دفع مثلياً، أما المقدم والذي يقتضى فيه بجنس غير قيمته فكذلك أيضاً، فإن كان دنانير أو دراهم وقيمة ما صولح عليه كذلك جاز قولاً واحداً لنفي الغرر، قال صاحب النكت: معنى قوله: إن كان الغريم بالخيار: أي يصالح عنه ثم يعرفه، فإن تصالح عنه بعروض خلاف العروض التي عليه، أو بأحد النقدين فيمتنع؛ لأنه لا يدري ما يعطيه الغريم: إلا أن يعطى مثل ما عليه دون ما يرجع فيه إلى التقويم؛ لأن البيع بالتقويم ممنوع. فرع: في الكتاب: أن صلحه الكفيل قبل الأجل على مثل عروض السلم جار، أو أقل أو أكثر أو أجود أو أدنى، امتنع؛ لأنه في الأدنى سلف بزيادة، والأعلى زيادة على ضمان الأدنى، قال سند: والمصالحة لغير البلد كفيل الأجل. فرع: في الكتاب: لا يصالح المتكفل بطعام قبل الأجل إلا بمثل رأس المال فيكون توليه أو إقالة للغريم برضاه، وتمتنع إقالة الكفيل والأجنبي بغير رضاه؛ لأنه يتخير فإن رضي الله يبيع الطعام قبل قبضه. فرع: قال: يجوز أخذك قبل الأجل أو بعده مثل طعامك لتعلق الحق به، ويمتنع من الأجنبي لأنه بيع الطعام قبل قبضه، ولو اقترض مثل طعامك من الأجنبي وأحاله به عليه، ولم تسل أنت الأجنبي جاز قبل الأجل وبعده؛ لأنه ملك الطعام بالقرض فله تعجيله، ويمتنع أن يقترض مثل طعامك ويحيل به على طعامك؛ لأن الحوالة بيع قبل قبضه، ويمتنع أخذك من الغريم أو من الكفيل قبل الأجل أجود أو أدنى؛ لأنه بيع الطعام قبل قبضه، وضع وتعجل ويجوز من الغريم إذا حل الأجل؛ لأنه حسن قضاء أو اقتضاء دون الغريم؛ لأنه بيع لا يرجع بما ودى، قال سند: إذا دفع الكفيل ما عليه رجع بمثله، فإن دفع طعاماً رجع به، أو اشترى طعاماً رجع بثمنه، وإن كان أجحف به إذا تغيب الغريم؛ لأنه أوقعه في الشراء إن كانت الكفالة بإذنه، وإلا بما عليه فقط؛ لأن فعله لا يجيزه متجراً بل معروفاً، ويجوز اتفاقه مع الغريم على ثمن الطعام، قاله محمد: لأنه كالقرض لذلك الطعام لا كالبائع. فرع: في الكتاب: للكفيل بعد الأجل المطالبة دون قبض الطعام لأنه ليس وكيلاً، فإن قبضه لك فتلف عنده ضمنه، قامت بينة أم لا (ينزع الغريم بذلك أم لا)، طالبه الكفيل بقضاء السلطان أم لا لأنه ليس أميناً ولا وكيلاً فيده مضمنة، وإن أخذه بطريق الرسالة لم يضمن؛ لأنه وكيل للغريم، والوكيل أمين لا يضمن، قال صاحب النكت: طرح سحنون (أيضاً) السلطان؛ لأن السلطان لا مدخل له هاهنا، وقال غيره: معناه: يكون صاحب الحق غائباً غيبة بعيدة، وحل الأجل، فتقاضاه الكفيل، وخشي أن يغرم هذا الغريم الحاضر قبل قدوم الغائب، فإن كان ملياً لم يتعرض له، وإلا قضى السلطان عليه بالحق، وأخذه منه وجعله على يد أمين، أو الكفيل إن كان أميناً، قال سند: ليس للمكفول مطالبته بما دفعه له على أنه اقتضاء؛ لأنه في ضمانه لم يتعد فيه إن باعه، وله ذلك في الرسالة لتعديه بالبيع، فلو باع المقبوض بالرسالة وغرمه للطالب: فله أن يدفع له طعاماً مثل ما قضى عنه، ويطالبه بالثمن، ولو وكل الطالب الكفيل فقبض وباع، فللطالب إمضاء البيع دون المكفول؛ لتعين الطعام للطالب بالقبض، ويمنع أن يعطيه دراهم ليشتري ويعطي الطالب من عنده؛ لأنه بيع للطعام قبل قبضه، كما لو اشترى طعاماً من أجنبي وأحال عليه، ولو دفع دنانير واشترى بها طعاماً ويقضيه عنه، فدفع الكفيل الطعام من عنده، وحبس الثمن بعد أن علم الغريم بذلك قبل كيل الطعام، فرضي؛ امتنع لأنه بيع الطعام قبل قبضه، ولو دفعه بغير علمه فأجازه، جاز لأنه مقرض، ولو وكله المكفول على الشراء والدفع ووكله الطالب على القبض: منعه ابن القاسم؛ لأن قبضه لأحدهما قبض للآخر، كما لو، قال المكفول للطالب: أنا أشتري هذا الطعام واقبضه أنت، وهو بيع للطعام قبل قبضه، وأجازه أشهب كما لو قبضه الطالب. فرع: في الكتاب: لو باعه الكفيل امتنعت إجازتك البيع لأنك لم توكله على البيع، فهو بيع الطعام قبل قبضه، ولك مطالبة الغريم والكفيل، فللغريم أخذ الثمن منه إن دفعه على الرسالة؛ لأنه متعد عليه، وله أخذه بمثل الطعام لأنه مثلي، وإن أخذت الكفيل بالطعام فليس للغريم أخذ الثمن منه، ودفع مثل الطعام إن قبضه اقتضاء لأنه ضمنه، فله الثمن. فرع: في الكتاب: تمتنع الكفارة برأس المال لأنه غرر، ولا يدري أيحصل له رأس المال أو المسلم فيه، قال ابن يونس: قال سحنون: لو كانت الحمالة بعد العقد فسخت كما قبل العقد؛ لأن معناها: إن لم يوجد الطعام دفعت لك رأس مالك، فهي إقالة فاسدة؛ لأن من شرط الإقالة في الطعام: النقد، وقيل: إن فهم أنه يشتري له برأس المال طعاما جاز، قال محمد: ولو قال: علي مائة درهم إن لم آت به، فلم يأت به اشترى بالمائة طعام الطالب، فإن فضل منها شيء رد للكفيل، وإن نقصت لم يكن عليه غيرها، قال ابن القاسم: فإن ضاعت قبل لشراء فهي من المكفول، ولا يكون على الكفيل منها شيء للطالب لأنه أداها، قال سند: إن قصد بضمان الثمن ضمان المسلم فيه بقدر الثمن؛ بمعنى: إن لم يوفك عند الأجل وفيتك بمقدار الثمن، وما نقص الثمن عنه لا يلزمني أجازه عبد الحق وغيره؛ لأن المسلم فيه حاصل جزما أو أكثره بخلاف ما في الكتاب، وقيل: يمتنع هذا للجهل بما يشتري من الثمن. وجوابه: أن هذا كالرهن لا يدرى هل يوفى أم لا؟ ومع ذلك يجوز إجماعا، وإذا وقعت الكفالة الفاسدة فسخ العقد ورد الثمن، فإن تعذر رده لا يلزمه شيء عند ابن القاسم لفساد الحمالة، ويلزمه عند غيره. فرع: في الكتاب: تجوز الزيادة في الثمن بعد الأجل على أن يعطيك أطول من ثوبك أو أحسن صفة، إذا تعجلت الزيادة؛ لأنها في معنى رأس المال، ويمتنع استرجاع بعض الثمن ليأخذ أدنى إن كان الثمن لا يعرف بعينه، وقد غاب عليه خشية أنك أسلفته هذا المردود، فيكون بيعاً وسلفاً، قال صاحب النكت: إذا زدته قبل الأجل لتأخذ أطول؛ جاز عند ابن القاسم؛ لأنهما صفقتان بشرط أن يبقى من الأجل مثل أجل السلم فأكثر، وإلا امتنع؛ لأنه سلم حال فيما ليس عند، ولو كان لتعطيه أرق أو أصفق امتنع؛ لأن الخروج عن الصفقة فسخ دين في دين، وفي زيادة الأطول حصل الأول مع غيره فلم يفسخ، ومنعه سحنون مطلقاً، ورآه فسخ دين في دين، وجوزه في الإجارة لأنها في شيء بعينه. وفيه نظر؛ لأنه لو مات الأجير أوصى على ذلك من ماله فهي في ذمته لا شيء بعينه فهي والسلم سواء، قال سند: قوله: يمتنع استرجاع بعض الثمن ليأخذ أدنى ليس شرطاً بل المثل والأجود كذلك في الفساد في الاسترجاع؛ لأنه سلف فرع: في الكتاب: إذا كان رأس المال عرضاً واسترجعت من صنفه، وأخذت أدون امتنع؛ لأن المسترجع سلف، أو من صنفه جاز؛ لأن شرط السلف اتحاد الجنس. فرع: في الكتاب: إذا أعطاك بعد الأجل أو قبله جميع رأس المال أو بعضه مع جميع المسلم على أن يجعل لك السلم قبل أجله، أو يؤخره إلى أجله امتنع إن كان الثمن لا يعرف بعينه وقد غاب عليه، وإذا كان رأس المال يُعرف بعينه فتقابلتما في نصفه ونصف السلم عى أن تأخذ بقية رأس مالك جاز. تنبيه: وقع في بعض النسخ في أول الفرع: أو يؤخرك إلى أبعد أجله، وهذا هو الذي يتجه، فإن التأخير للأجل مستحق بالعقد لا يحتاج إلى تعجيل لأجله، وكذلك قوله: إذا أعطاك بعد الأجل ليعجل لك قبل الاجل أو إلى الأجل أو أبعد من الأجل لا يستقيم، فإن الدفع بعد الأجل يستحيل أن يكون لقصد التعجيل قبل ذلك، بل ينبغي أن يقال: ليؤخره إلى أجل أبعد من ذلك الأجل، وسر الفساد بعد التصحيح: أن رأس المال إذا كان يغاب عليه كان مستهلكاً، فكأنه أسلفه ليؤخره، أو يوافقه على التعجيل، فهو حُط عنى الضمان وأزيدك. قال اللخمي: إذا كان رأس المال متقوماً جازت الإقالة على عينه إذا كان لم يتغير، وتمنع على مثله وقيمته؛ لأنها إقالة على غير رأس المال فهي مبايعة للطعام قبل قبضه، وإن كان مثلياً منع ابن القاسم الإقالة على مثله، وأجازه أشهب، إلا أن تختلف فيه الأعراض، كالكتان وحوالة الأسواق في العبد فالثمن لا يمنع الإقالة لأنها خارجة عن العين، وتغييره بالزيادة أو النقص في بدنه يمنع. فرع: في الكتاب: إذا أخذت بعض رأس مالك بعينه، وجميع السلم بعد الأجل، جاز لأنه إحسان محض، ويمتنع أخذك بعض سلمك وتسترجع عروضاً من صنف رأس مالك؛ لأنها إن كانت مثل عدده فهو سلف لمنفعة، أو أقل فبيع وسلف، ومن غير صنف رأس مالك يجوز لتعذر السلف مع المغايرة. فرع: قال ابن يونس: قال ابن القاسم في الكتاب: لك أن تستزيد أحد العقدين له بالتعجل أو تؤجله إلى الأجل أو أبعد منه لاستغلالك المبيع كأنه في عقد، واحد، وقال أيضاً: ذلك ممنوع، قال ابن أبي زمنين: ينبغي على أصولهم إن مات البائع قبل قبض الزيادة أن تبطل؛ لأنها هبة لم تقبض، وقيل: هذه هدية مديان فتمتنع، قال سند: تجوز عند ابن القاسم الزيادة في الثمن لأنها معروف. فرع: في الكتاب: إذا كان رأس المال المسلم عرضاً أو حيواناً في طعام لا يمنع الإقالة، تغير سوقه لأنه رغبات الناس، وهي خارجة عن الحيوان، بخلاف التغيير بالزيادة والنقصان؛ لأنه حينئذ مبايعة في طعام قبل قبضه، والهزال والسمن في الجارية لا يمنع بخلاف الدابة؛ لأنهما مقصودان فيهما، قال اللخمي: هذا يتخرج على ما فيه من الخلاف في الرد بالعيب هل هو فوت أم لا. فرع: في الكتاب: إذا أسلم رجلان لرجل فأقال أحدهما جاز إلا أن يكونا متفاوضين فيما أسلما فيه أو مطلقاً، ولا حجة لشريكه عليه، فإن اسلم رجل لرجلين فأقاله أحدهما ولم يكن اشترط ضمان كليهما لصاحبه، جاز ولا حجة لشريكه؛ لأنه مستقل بنفسه، فإن كان اشترط ذلك امتنع، وكأنه سلم من النقص، قال سند: منع سحنون إقالة أحدهما إلا بإذن شريكه الآخر في المسألة الأولى، كما لا يقبض إلا بإذنه، والفرق: أن الإقالة يمتنع فيها الخيار، فلو خيرنا الشريك كانت إقالة على الخيار فتفسد؛ لأنها بيع وسلف، وبيع للطعام قبل قبضه كما له عتق نصيبه من العبد بغير إذنه. فرع: في الكتاب: إذا اشتريت بدراهم فتقابلتما وهي في يديه فأراد دفع غيرها فذلك له، وإن كرهت شرطت استرجاعها أم لا؛ لأنها لا تتعين، وقاله (ح)، ومنع (ش). قال سند: قال سحنون: ليس ذلك له، كقفيز من صبرة لا يبدل بقفيز من صبرة، وقد تقدم في كتاب الصرف تحرير ذلك. فرع: في الكتاب: إذا أسلمت ثوباً في طعام ثم أقلته فهلك الثوب بعد الإقالة انفسخت الإقالة لعدم القبض، ويمتنع أخذ المثل لأنه ليس مثلياً، وإذا ابتعت مثلياً فقبضته وأتلفته تجوز الإقالة منه برد المثل بعد علم البائع بهلاكه وقبضه؛ لأن التأخير في الإقالة ممنوع؛ لأنه مكايسة. فرع: في الكتاب: إذا أسلم إليك مائة درهم في مائتي إردب تساوي مائتي درهم فأقالك في مرضه ولا مال له غيرها فللورثة الإجازة وإعطاؤك ثلث ما عليك من الطعام، وإن حمل الثلث جميع الطعام جازت الوصية، قال صاحب النكت: قوله: جميع الطعام؛ يريد طعام المحاباة، ومنع سحنون هذه الإقالة لتأخرها إلى الموت، وقيل: معناها: إقالة، ومات مكانه، ويرد عليه إنها انعقدت على فساد، فإن تعقب الموت غير معلوم، وقيل: وصى له بالإقالة، وقيل: أما إجازة ابن القاسم لها فلأنها لم يقصدا ذلك بل أدت إليه الأحكام، قال أبو الطاهر: مسألة الكتاب لها ثلاث صور: إن أوصى بأن يقال صحت وفاقاً؛ لأنه لا يقع تأخير في الإقالة، وإن تجد الإقالة ولم يتأخر الطلب جازت اتفاقاً، وإن تأخر فقولان، فإن كان المقيل الذي عليه الطعام وهو مريض، والمال له، جرى على ما تقدم، وإذا قلنا تمضي وفيه محاباة، ولم يكن للمسلم إليه غير رأس ماله: فثلاثة أقوال: يشترى بما عدا المحاباة طعام فيوفاه، وثلث المحاباه لتصحيح أخذ ما يُشترى به، وثلث المحاباة الكل عيناً، وقيل: يشتري له بالأصل، وثلث المحاباة طعام، والمدرك محاذرة البيع والسلف، فيعطى الجميع من جنس واحد، فإن غلبنا حكم الإقالة أعطينا الجميع عيناً، أو إبطال الإقالة أعطينا الكل طعاماً، أو لا يحاذر البيع، والسلف لتعذر القصد إليه، فيعطى الطعام وثلث المحاباة. فرع: في الكتاب: الاستغلال لا يمنع الإقالة إلا ولد الأمة لما فيه من التفرقة بينهما، ولأنه كالنماء في البدن، والدين يلحق المأذون له يمنع؛ لأنه عيب في النذر، وإن أسلمت ثوباً في حيوان فقطعته جازت الإقالة في نصف الحيوان في نصف الثوب، حل الأجل أم لا، زاده القطع أو نقصه إذا تعجلت ذلك، قال ابن يونس: يريد لأنه نصف ثوبه بعينه، ولم يدخله بيع وسلف، وفي الكتاب: إن أخذت ثوباً معيناً وزادك ثوباً من صنفه أو من غير صنفه أو غير ذلك، جازت الإقالة حل الأجل أم لا، إلا أن يزيد من نصف المسلم فيه فيجوز بعد الأجل لا قبله؛ لأنه حط عني الضمان وأزيدك، وقد تقدم من أحكام الإقالة جملة في فساد العقد وصحته في بيوع الآجال، وحكم العقد قبل القبض ما اقتضاه ذانك البابان منها، فليراجع هناك. فهذه أربعة أبحاث: البحث الأول: في مقداره: وفي الكتاب: ما اشترط أخذه في إبانة فانقطع إبانه قبل أخذه بتأخير السنة الثانية توفية بالعقد، ثم رجع إلى جواز أخذ بقية رأس المال؛ لأن التأخير ضرر، قال ابن القاسم: من طلب التأخير منهما فذلك له نظراً للمدركين، فإن اجتمعا على المحاسبة جاز. قال سند: إن لم يقض من المبيع شيئاً جاز الاتفاق على الفسخ؛ لأنه إقالة، وإن اتفقا على التأخير حاز عند ابن القاسم لتعلق الضرر بهما، وامتنع عند أشهب كأنه فسخ دين في دين، وإن اختلفا فقولان: أحدهما: يقدم من طلب المحاسبة لأنه نفي للضرر، وثانيها: طالب التأخير لأنه الأصل في اعتبار العقد حتى يوفي به، فإن قبض البعض فالمشهور: عدم الفسخ في الباقي توفية بالعقد. قاله (ش) و(ح) ويفسخ عند أشهب في الباقي؛ لأن العقد يتناول ثمرة عام بيعه، فتعذره يوجب الفسخ كالعقد على الصبرة المعينة، وعن ابن القاسم: يختص خيار الفسخ بالمشتري، وقاله مالك و(ش) و(ح)؛ لأنه صاحب المثمن الذي هو مقصد العقد، والثمن إنما هو وسيلة، وقال أصبغ: تكلفهما المحاسبة إلا أن يتفقا على التأخير لشمول الضرر لهما، وإذا قلنا بالتراضي على الفسخ إذا قبض شيئاً، فهل يجوز في البعض؟ وهو الذي حكى فيه الخلاف في الكتاب، وإذا قلنا بالفسخ فله أن يأخذ بالقيمة ما شاء غير الطعام، منعه أشهب، وكرهه ابن وهب؛ لأنه طعام نقداً من طعام، وأجازه محمد لوقوع الفسخ فيبطل الطعام الأول، وعن ابن الكاتب: إنما يقع ذلك إذا حكم بالفسخ، وأشهد عليه بالحكم بتحقق الإبطال، وقال عبد الحق: يكفي الحكم دون الإشهاد لعدم توقف الفُتيا عليه، فأما السلم في حائط معين ينقطع ثمرة، فليس له إلا الثمن، ويمنع التأخير لفوات المعقود عليه، وله أن يأخذ ما اتفقا عليه ولم يختلف في هذا، كذهاب بعض الصبرة، ولقوة شبهه بالعروض المعينة، والأول في الذمة جزماً، إنما الخلاف في خروج الإبان، وإذا فات بعض ثمر الحائط المعين: ففي الكتاب: يرجع ببقية الثمن؛ لأن الثمن موزع على المبيع، وقال الباجي: ذلك إذا اشترط أخذ المبيع في وقت معين أما في أيام تختلف فيها القيم: فالحساب بالقيمة، واختاره التونسي وغيره، وليس له أن يدفع ما خصه في سلعة تتأخر؛ لأنه فسخ دين في دين، بل في سلعة معجلة، فإن تأخرت لمنفعة من إشهاد أو استخدام أجازه الباحي بغير شرط، أن شرط حبسها لغير منفعة: ففي الكتاب: لا يعجبني ولا أفسخه؛ لأن المعيَّن ليس بدين، وإن كانت فيما لا يمكن تعجيله كالخادم فيها العُهدة، والبيع بالخيار قبل جذاذها، وسكنى الدار، منعه ابن القاسم لشبهة بالدين بالدين وأجازه أشهب؛ لأن الدين لا يكون إلا في الذمم دون الأعيان، قال صاحب التنبيهات: إذا خرج إبان الثمرة قبل قبضها فستة أقوال: يتأخر لإبان ثانٍ له أخذ بقية الثمن الآن، القولان لمالك، ولابن القاسم: يخير المشتري في التأخير دون البائع للتفرقة بين قبض أكثر المبيع فيجوز التأخير لقابل، وإلا فالمحاسبة الآن لمالك؛ لأن قبض الأقل مغتفر وتتغير المحاسبة الآن. لأشهب، والمحاسبة الآن إلا أن يجتمعا على التأخير، لأصبغ. قال اللخمي: وقول أشهب أصح إذا ذهبت الثمار بالجوائح السماوية، وإن كان عدم القبض لرد البائع حتى خرج الإبان، كان للطالب الخيار في التأخير، وإن كان لهرب المشتري خير البائع، قال: وأرى أن يدفع البائع التمر أو الرطب إلى الحاكم؛ لأنه وكيل إذا خشي فساده، قال: وإذا أخذ ورقاً فيما بقي ورأس المال ذهب جاز إن كان الذهاب بالجوائح؛ لعدم التهمة على الصرف المتسأخر، وعن مالك جوازه إذا كان الفوات لخروج الإبان، وكذلك أخذ الطعام في الطعام، وأما السلم في الحائط المعين فيتعذر الأخذ والقرية ينفسخ اتفاقاً كالصبرة، قال أبو الطاهر: في القرية والصبرة قولان كالحائط المعين، وإلحاقها بالمضمون في الخلاف المتقدم لحصول الشبهين فيها. فرع: قال ابن يونس: أجاز في الكتاب: أخذ نوع من الحبوب بدلاً من نوع آخر؛ لأنها يباع بعضها ببعض، وقال محمد: وكذلك لحم البقر في الضأن في يوم أجله، ولا يعجل في ذلك اليوم اكثر ما له؛ لئلا يكون بيعاً للطعام قبل قبضه، فإن أخذ أكثر وزاد امتنع؛ لأنه بيع الطعام قبل قبضه، أو دنى وعرضاً امتنع، ويمتنع أخذ طير الماء في الدجاج والإوز؛ لأنه يراد للحم وهما للتربية، فهو بيع الحيوان باللحم، ويمتنع أخذ العصافير المذبوحة في الحية؛ لأنه بيع الحيوان باللحم، وفي الكتاب: يجوز أخذ القميصين في الرايطة وجدت الرايطة أم لا؛ لأن الرايطة ليست طعاماً، ولا ربا بينهما وبين القميصين. فائدة: قال صاحب التنبيهات: الرابطة مثل الملاءة والملحفة إذا لم تلبس، والمعروف في العربية: ريْطة . فرع: في الكتاب: لك في السلم الفاسد أخذ كل شيء برأس مالك، إلا ما أسلمت فيه لئلا يكون تتميماً للعقد الفاسد، قال سند: قال أشهب: هذا في الحرام البيّن، أما الذي يمكن إجازته لا يصلح كذلك حتى يفسخه الحاكم، أو يشهدا على التفاسخ لئلا يكون إقالة على غير رأس المال، قال محمد: كل مختلف فيه يمتنع فيه ذلك إلا بعد فسخ السلطان، وإذا كان المسلم فيه حنطة فقال: أعطني بثمني ثمراً جاز إن علم الفساد، دون أن جهلاه أو أحدهما امتنع؛ لأنه قاصد لدفع الثمن في الحنطة، وعن مالك وابن القاسم: له أخذ النوع المسلَم فيه نظراً للبطلان، وإذا منعناه فهل له أخذ ما يجوز قضاؤه فيه كالسمراء من الحمولة أو أكثر من الشعير، فيه خلاف، وهل له أخذ ما يمتنع سلم رأس المال فيه؟ منعه محمد سداً للذريعة، وعن مالك: له أخذ الورق في الذهب، وإذا راعينا التهمة قطعنا فسخ الإمام، قال صاحب المقدمات: إذا كان العقد متفقاً على فساده: فهل له الأخذ من جنس سلمه؟ ثلاثة أقوال: المنع في الكتاب، وجوزه ابن كنانة، وقال الفضل: له أخذ محمولة من سمراء وقمحاً من شعير، ويمتنع محمولة من محمولة لما فيه من قوة تهمة الفاسد، وإن كان مختلفاً فيه امتنع أخذ خلاف الجنس قبل الحكم، وتأخير رأس المال وبعضه سداً للذريعة فسخ الدين في الدين أو إقالة بتأخير، أو بيع الطعام قبل قبضه على رأي، وفي الأخذ من الجنس الأقوال الثلاثة المتقدمة . فرع: في الكتاب: إذا أمرته بالكيل في غرائرك أو في ناحية بيتك فادعى ضياعه بعد الكيل ضمن، إلا أن تصدقه البينة أو أنت على الكيل؛ لأنها وديعة حينئذ، قال أبو الطاهر: يجوز القبض على التصديق في النقد اتفاقاً، وفي السلم قولان؛ لاحتمال أن يجد نقصاً فيتخاصمان، قال اللخمي: للهلاك في يده أربعة أحوال: إن مكّنه من القبض فله أحكام الوديعة، وإن حبسه للإشهاد وهو يغاب عليه لم يصدق، وإن حبسه لمنفعة استثناها صُدق؛ لأنه كالمستأجر. وإن لم يمنعه وهو حاضر بين أيديهما، ومضى وتركه فالكالوديعة؛ لأنه لم يكن حبسه؛ لأن المبيع إلى أجل بخلاف النقد، وإن كان غائباً عنه لم يُصدق إلا أن تقوم بينة على تلفه، وإن تعدى فباعه خير المسلم بين إجازة البيع أو إغرام القيمة ما بلغت، ويمتنع فسخ السلم خشيةً من الإقالة على غير رأس المال السلم، وكذلك إذا ادعى ضياعه. فرع: في الكتاب: إذا أسلمت عبداً في عروض لا تأخذ عند الأجل عوض العروض عبدين من صنفه؛ لأنه سلم عبد في عبدين من جنسه فيمتنع، ويمتنع الفسخ المحمولة في سمراء إلى أجلها لأنه فسخ دين في دين، ويجوز أخذها منها عند أجلها لأنه حُسن قضاء، قال ابن يونس: قيل: يجوز سمراء في سمراء أجود منها أو أدنى إلى أجلها لبقاء الصفة المسلم فيها من حيث الجملة، قال صاحب التنبيهات: إن أخذ عبداً أدنى في المسألة الأولى منعه ابن عبد الحكم، لأنه لا يسلم فيه، وأجازه ابن القاسم لعدم التهمة. تمهيد: قال صاحب التنبيهات: لصحة أخذ غير المسلم فيه ثلاثة شروط: أن يصح بيعه قبل قبضه، وأن يصح سلم رأس المال فيه، وأن يصح شراؤه بالدين. البحث الثاني: في الصفة. وفي الجواهر: إذا دفع بعد الأجل أجود وجب قبوله؛ لأنه حُسن قضاء، أو أدنى جاز قبوله؛ لأنه حسن اقتضاء، ولا يجب قبوله لقصوره عن الحق، ويجوز أخذ الذهب الأسود عن الأبيض. فرع: قال اللخمي: إذا، وجده معيباً رجع بالمثل؛ لأنه تبين أنه لم يقبض المبيع، فإن اطلع على العيب بعد خروجه عن يده بهبة فثلاثة أقوال: يغرم قيمته معيباً ويرجع بالمثل؛ لأنه جنى على معيب، ويرجع بقدر ذلك العيب ويكون شريكاً في الصفة التي أسلم فيها؛ لأنه جزء من المبيع لم يقبضه فيرجع بقيمة العيب من الثمن نفياً لضرر الشركة، قال: وأرى أن يخير بين رد القيمة والرجوع بالمثل أو ينتقص من السلم قدر العيب؛ لأن الشركة ضرر عليهما. فرع: في الكتاب: لا تأخذ دقيق الحنطة في الحنطة وإن حل الأجل، بخلاف القرض لأنه معروف، قال اللخمي: وعن مالك: الجواز، وهو على الخلاف في بيع الحنطة بالدقيق، وحيث أجزنا في القرض فيختلف: هل يجوز بالوزن أو الكيل؟ على الخلاف في بيع أحدهما بالآخر، وتمتنع زيادة كيل الدقيق على القمح لئلا يكون مبايعة لا مبادلة، وهل ينقص؟ منعه ابن القاسم، وأجازه أشهب؛ لأنه معروف، إلا أن يكون أجود، ويجوز مثل كيله أجود وأردأ. البحث الثالث: في زمانه. وفي الكتاب: لا يجبر على القول في الأجل في السلم، لكن الأجل حق لهما بخلاف القرض؛ لأنه حق المقترض فله إسقاطه، وفي الجواهر: ألزمه المتأخرون قبوله قبل الأجل باليوم واليومين لعدم اختلاف الأغراض، وعدم تغير الأسواق، قال صاحب الاستذكار: إذا أسلم في كباش ليأخذها في أيام الأضحية فأتاه بعد الأضحى: قال مالك: يلزمه قبولها، وكذلك في قطائف الشتاء، فأتى بها في الصيف؛ لأنه مبيع أوجبه العقد، وقال ابن وهب: لا تلزمه لفوات المنفعة التي أسلم لأجلها، ووافقه في الكراء اللخمي إذا أتاه بعد إبان الحج لا يلزمه عندهما. وقال (ش): كل شيء أتى به قبل أجله من النحاس والتبر والعرض أجبر على أخذه لإفضائه إلى براءة الذمم، بخلاف المأكول والمشروب لأنهما تختص منافعهما ببعض الأوقات، وكذلك الحيوان لاحتياجه للعلف، وكل ما فات موسمه وما قصد الشراء لأجله كالضحايا ونحوها لفوات الفائدة. البحث الرابع: في مكانه. وفي الكتاب: لا بد من اشتراط مكان القبض، ولا يكفي ذكر مصر؛ لأنه اسم " لجُملة الإقليم، ويكفي الفسطاط (فإن تشاحا في أي موضع...... أن علم ولا يخفى البائع في الفسطاط). قال أبو الطاهر: لا يشترط ذكر الموضع بل تكفي العادة، وإن لم يشترط فحيث وقع العقد أو قبض رأس المال لاستلزام السبب المسبب، وإن شرط بلداً فبأي موضع؟ فيه ثلاث روايات: سوق السلعة لأنه مظنتها، موضع العقد لأنه سببها؛ أي: موضع من البلد لعدم التخصيص، وإن كانت عادة تعينت، وإن اختلف السعر في نواحي البلد تعين ذكر موضع منه، فإن اختلفا في أي موضع اشترط صدق مدّعي الأشبه، فإن لم يدعياه تحالفا وتفاسخا لعدم رجحان أحدهما، وإن ادعياه قُدم المسلم إليه في المشهور، لأنه مالك المقصد، والثمن وسيلة، وقدم سحنون المشتري؛ لأنه صاحب الحق وقيل: يتحالفان ويفاسخان لتساويهما، وإن طلب القبض بغير البلد المشترط، ودفع ثمن الحمل، والمبيع طعام امتنع؛ لأنه مال كالمعجل قبل الأجل بزيادة، وبيع الطعام قبل قبضه، فإن لم يأخذ ثمن الحمل واختلف سعر البلدين امتنع؛ لأنه ضع وتعجَّل إن كان سعر هذا البلد أنقص، أو حُط عني الضمان وأزيدك، إن كان أعلا فإن اتفق السعران فقولان، نظراً إلى أجرة الحمل وتساوي السعر، قال سند: لا يجب عندنا ذكر وضع التسليم إلا أن يكون العقد بمفازة لا يمكن التسليم فيها فيجب اشتراطه، وإلا فإطلاق العقد يقتضي موضع التعاقد، وقاله ابن حنبل وزاد: أن شرطاً غير موضح العقد بطل؛ لأنه خلاف مقتضاه، وقال (ش): إن كان يحمله مؤنة وجب، ومنع الشافعية بغير موضع السوق بل يكفي موضع من البلد، وقال سحنون: إذا لم يكن للسلعة سوق فبيت المشتري قياساً على الكراء، وهو العادة اليوم، قال اللخمي: إذا أسلم حضري لقروي فالقرية؛ لأنه العادة اليوم، إلا أن يشترط غيرها، قال سند: إذا قال: أنت وكيلي أو أجيري في حمله، فإذا بلغت البلد فاقبضه لنفسك امتنع سداً لذريعة، وأنت وكيلي في قبضه لوكيلي يجوز، ومتى وقع الممنوع فسخ، ورد الطعام إلى موضعه، وطالب على حاله فإن فات فعليه في البلد الذي وقع فيه سبب الضمان، كالبيع الفاسد والغصب، وإذا انفسخ صح أن يقضيه ذلك الطعام مما له في بلد السلم، وإلا فلا. في الصحاح: القرض: التقطيع قرضتُ الشيء أقرِضه بكسر الراء في الثاني، والقرض السلف بفتح القاف، وقيل: بكسرها كأن الإنسان يقطع قطعة من ماله للمستسلف، والقرض: ما تقدم لك من إحسان، والقرض: الشعر، والقريض أيضاً، والقرطة، والقرضة: الترك قرضتُّ الشيء عن شيء إذا تركته، ومنه قوله تعالى: (وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال). وأصله: قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه). فالأمر بالمكاتبة دليل المشروعية، وفي الصحاح: (أنه - عليه السلام - استَسلف من رجل بكراً، فقدِمت عليه إبل الصًّدقة فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بكره، فرجع إليه أبو رافع فقال: لم أجد فيها إلا خياراً رباعياً، فقال: أعطه إياه؛ فإن خيار الناس أحسنهم قضاء ) سؤال: إن كان - عليه السلام - اقترض لنفسه، فالزكاة محرمة عليه، أو للمسلمين بطريق نظر الإمامة؛ فكيف يقضي عنهم أكثر مما عليهم؟ جوابه: قال سند: المراد بالصدقة مال الجزية، كانت تسمى صدقة من الله تعالى على هذه الأمة، وهي حلال له - عليه السلام -، قال صاحب الاستذكار: كان القرض للمساكين لأنه لا تحل له الصدقة. إن قلنا: يجوز تعجيل الزكاة فيقرضها ربها، ثم يهلك ماله، وترد عليه من مال الزكاة، وإن قلنا: يمتنع التعجيل: فقيل: اقترض لنفسه - عليه السلام - قبل تحريم الصدقة عليه - صلى الله عليه وسلم -. فائدة: قال: البكر: الدنيء، والخيار: المختار، والرباع من الخيل والإبل ما ألقى رباعيته. ثم البحث عن حقيقته، ومحله، وشرطه، وحكمه، والمقاصة فيه بعد وقوعه؛ فهذه خمسة أبحاث: البحث الأول: في حقيقته في الشرع. وفي الجواهر: هو دفع المال على، وجه القربة لينتفع به أخذه، ثم يتخير في رد مثله أو عينه ما كان على صفته. فرع: قال المازري: يجوز عندنا قرض الدنانير بشرط أن لا يستهلك عنهما ليتحمل بها الصيرفي خلافاً لـ(ش). وقال عبد الحميد: هذا غرور للناس فكيف يجوز؟ وقال (ش): ليس لها منفعة إلا إتلاف عينها، فإذا لم تتلف امتنع هذا الفعل لبطلان حكمته، وجوابها: أن الصرف لا يقع إلا مناجزة، وإنما يلزم الغرور أن لو جاز التأخير فيغر الناس بملائه فيؤخرون، وأن المنفعة بالتحمل منفعة مقصودة للعقلاء فصح الفعل باعتبارها. البحث الثاني: في محله. وفي الجواهر: كل ما جاز سلماً في الذمة جاز قرضه إلا الجواري. وفي الكتاب: يجوز قرض كل شيء إلا الجواري؛ لأنه لا تعار الفروج للوطء، ومنعه (ح) في غير المكيل والموزون لتعذر المثل عند الرد في غيرهما. لنا: الحديث المتقدم، والقياس على السلم بطريق الأولى، ولأن المعروف يسامح فيه أكثر من غيره، وقد جوز في القرض بالنسيئة بخلاف السلم. نظائر: قال سند: يجوز القرض إلا في ستة: الجواري، والدور، والأرضين، والأشجار؛ لأن مواضعها مقصودة، فإن عينت لم تكن في الذمة، وإلا بقيت مجهولة، وتراب المعادن، وتراب الصواغين؛ لتعذر معرفة مقدار المقصود منه حتى يرد المثل على صفته كان مثلياً أم لا، وقال بعض الشافعية: يرد في غير المثلى القيمة قياساً على الإتلاف، وجوابه: الحديث المتقدم، والفرق بأنه مبني على المسامحة: دليله جواز ربا النسيئة، ووافقنا (ش) و(ح) في الجواري، وعن جماعة: جواز قرضهن قياساً على السلم، والفرق ما تقدم، وعن ابن عبد الحكم: الجواز أن شرط رد غير المقرضة حتى لا يرد موطوءته، وجوابه: أنه شرط مناقض للعقد فيمتنع، قال اللخمي: يجوز قرض الجواري إذا كن في سن من لا توطأ، أو المقترض لا يبلغ الالتذاذ إذا اقترضها له وليه، أو هو امرأة أو ذو رحم كان منها أو مُحرَّم عليه وطؤها لقرابة المقرض إذا كان أصابها. وفي الجواهر: أكثر المشايخ على أن الجواز من ذي الرحم ليس بخلاف، وحكاه عن ابن عبد الحكم ومنعه الشافعية مطلقاً؛ لأن فائدة القرض الملك، وفائدة الملك الوطء وهو ممنوع هاهنا فيبطل لبطلان غرضه. وجوابهم: أن فائدة الملك أعم من هذا كشراء محرمة الوطء، قال سند: فإن وقع القرض الممنوع ردها ما لم يطأها فتلزمه القيمة عند مالك ويردها وقيمة الولد إن حملت عند (ش) لعدم الملك، وجوابه: أن البطلان إنما كان خشية الوطء، فإذا وقع فلو ردها وقع الممنوع بخلاف ردها بالعيب بعد الوطء؛ لأن عقد البيع لم يقع على رد مثلها، وحيث قلنا: يردّها فتعذرت، رد مثلها إن قلنا: إن القرض قائم بنفسه، وإن الفاسد يُرد إلى الصحيح في كل باب وقيمتها أن رددنا القرض للبيع لأنه مستثنى منه، وكل مستثنى من أصل فهي رد فاسده لصحيحهما، ولصحيح أصله قولان كالإجارة والمساقاة، وإذا أوجبنا القيمة لم تجب قيمة الولد، بخلاف ولد الغارة لشبهة الخلاف والرضا هاهنا، فكأنه وطيء مملوكته. فالولد هاهنا يستند إلى الملك، وفي الغارة إلى حصول الحمل على ملك الغير، وفي الجواهر: أكثر المتأخرين على رده إلى البيع الفاسد، وروي عن ابن محرز: لا يؤاخذ المقترض بغير ما دخل عليه، فيباع المقترض ويعطى له إن كان مساوياً للقيمة أو ناقصاً عنها، فإن زاد عليها وقف الزائد، فإن طال وقفه تصدق به عمن هو له، قال بعضهم: وهذا يجري في مسألة الجارية. فرع: ، قال اللخمي: يجوز قرض جلود الميتة بعد الدباغ؛ لأنه ليس بيعاً. فرع: قال سند: يمتنع قرض فدان بفدان للجهالة، وكذلك رطب بيابس. فرع: قال ظاهر الكتاب يقتضي جواز سلم رطل خبز إذا لم يعين نوعا للقضاء، وعلى قول بأنه لا يباع الخبر بالخبز إلا باعتبار تماثل الدقيق يمتنع، وقاله التونسي: لاختلاف النضج بالرطل الناضح أكثر دقيقاً إلا على القول بالتحري في الدقيق فيجوز على التحري، قال: خبز التنور والمَلّة جنس واحد، يقضي بعضه عن بعضه، ويجوز قضاء ما هو أكثر دقيقاً مثل دقيق الأول في الجودة أو أعلا، بخلاف ممن اقترض إردب دقيق فرد إردباً وويبة، منعه ابن القاسم لأنها زيادة منفصلة، والزيادة ها هنا متصلة إذا اعتبر الخبز في نفسه، فإن اعتبر الدقيق امتنع؛ لأنها زيادة منفصلة إذ يمكن كسر الخبز، كما لو اقترض رطل لحم فقضاه قطعة رطلين، منعه ابن القاسم. البحث الثالث: في شرطه. وفي الجواهر: شرطه أن لا يجر منفعة للمقرض، فإن شرط زيادة قدراً أو صفة فسد، ووجب الرد إن كان قائماً، وإلا ضمن بالقيمة وبالمثل على المنصوص (وعلى قول ابن سحنون)، وعلى قول ابن محرز المتقدم بالمثل فقط. قاعدة: القرض خولفت فيه قاعدة الربا إن كان في الربويات كالنقدين والطعام، وقاعدة المزابنة، وهو (بيع المعلوم بالمجهول من جنسه إن كان في الحيوان ونحوه من غير المثليات، وقاعدة) بيع ما ليس عندك في المثليات لأجل مصلحة المعروف للعباد، فإذا اشترط منفعة فليس معروفاً، فتكون القواعد خولفت لا لمعارض، وهو ممنوع، أو أوقعوا ما لله لغير الله وهو ممنوع، فلهذه القاعدة يشترط تمحض المنفعة للآخذ. فرع: في الكتاب: إذا أقرضته لتنفع نفسك بضمانه في ذمته، وكراهة بقائه عندك امتنع، فإن علم ذلك غريمك فلك تعجيل حقك قبل أجله لفساد العقد، قال اللخمي: وكذلك إذا قصد منفعتها، بل لا بد من تخصيص المنفعة بالمقترض، فإن قصد بيع ذلك الثوب بمثله، منعه مالك وابن القاسم لخروجه على المعروف، وأجازه مرة، وعلى الأول تفيتُه حوالة الأسواق بما فوق ذلك، ويغرم قيمته إن فات، وإن قال المقرض: أردت منفعة نفسي ولم يصدقه خصمه، بيع الثوب عند الأجل؛ لأنه مقر أنه لا يستحق المثل بالقيمة، فإن بيع بدون القيمة لم يكن له إلا ذلك، أو بأكثر وقف الزائد، فإن أقر بالفساد أخذه، وإلا تصدق به، وإن أقر المستقرض بالفساد دون المقرض، والثوب قائم، جُبر على رده، وتُفيته حوالة الأسواق على قول المقر دون الآخذ، فإن رجع عن إقراره: خير المقرض على قبوله؛ لأنه مقر بصحة القرض، فإن استهلكه غرم المثل إلا أن يصدقه عل الفساد فالقيمة، فإن عينه، وقد كرهه غرم القيمة معجلة لفساد الأجل بالقصد الفاسد، واشترى بها مثل الأول، فإن لم يوف كان عليه تمام الثمن؛ لأنه لم يوافقه، فإن زادت دفع الزائد إن اعترف بالفساد كان له. فرع: في الجواهر: إن كانت المنفعة للجهتين منع إلا أن تكون ضرورة كالسفاتج، فروايتان، المشهور: المنع. سؤال: قال سند: العارية معروف كالقرض، وإذا، وقعت إلى أجل بعوض جاز، وإن خرجت بذلك عن المعروف: فلم لا يكون القرض كذلك؟ جوابه: إذا وقعت بعوض كانت إجارة، والإجارة لا يتصور فيها الربا، والقرض بالعوض بيع، والبيع يتصور فيه الربا، والعرض بالعرض لمنفعة ربا لقوله تعالى: (وحَرَّم الربا). فإنه عام إلا ما خصه الدليل. فرع: قال سند: منع ابن القاسم: أقرضك هذه الحنطة على أن تعطني مثلها، وإن كان القرض يقتضي إعطاء المثل لإظهار صورة المكايسة: قال أشهب: يفسخ، قال: فإن قصد بالمثل عدم الزيادة فغير مكروه، وكذلك إذا لم يقصد شيئاً، فإن قصد المكايسة فهذا مكروه لا يفسد العقد لعدم النفع للمقرض، ومن سلف طعاماً قديماً ليأخذ جديداً امتنع، إلا أن تكون المنفعة للأخذ فقط. فرع: قال: إن سألك التأخير ويرهنك رهناً: أجازه ابن القاسم عند الأجل لا قبله؛ لأنه ملك الحق الآن، وكان يقول: إن كان عديماً امتنع؛ لأن عدمه يمنع قضاء الحق، قال محمد: يجوز إن كان الرهن ليس له لأنه سلف مبتدأ، وقيل: يمتنع إلا أن يكون الرهن له حتى يكون بالحق نفسه. فرع: قال: كره مالك تأخير الغريم بشرط أن يسلفك أجنبي، قال: وفيه تفصيل: فإن كنت طلبته لحاجتك للدين: فهو خفيف؛ لأن المنفعة للغريم، وإن أسلفك أكثر من الذي لك امتنع، وإذا أردت الخلف مع شاهدك، فقال الغريم: أحمل اليمين بشرط التأخير سنة. فذلك ممنوع، والإقرار باطل، والخصومة باقية، ومنع سلف شاة مسلوخة ليأخذ كل يوم رطلين، ومن سألك حمل بضاعة فقلت: حلفت لا أحمل إلا ما لي، فإن شئت أسلفتها أو أودعك وديعة فامتنع حتى يسلفها منع ذلك مالك لما فيه من منفعة السلف، وأباح: أعني بغلامك يوماً وأعينك بغلامي يوماً؛ لأنه رفق. فرع: في الكتاب: يمنع اشتراط القضاء ببلد آخر، وإن شرط أجلاً بخلاف البيع؛ لأن البيع مكايسة يقبل شرط التنمية، ولك ذلك في العين إن قصدت به نفعه دون نفع نفسك بذهاب غرر الطريق كالسفاتج، ويضرب أجلاً يصل في مثله، وإن لم يخرج فلك أخذه بعد الأجل إن وجدته. فائدة: قال صاحب التنبيهات: السفاتج، وأحدها سفتجة بفتح السين وسكون الفاء وفتح التاء بعدها جيم، وهي البطاقة تكتب فيها آجال الديون، كالرجل تجتمع له أموال ببلد فيسلفها لك وتكتب له إلى وكيلك ببلد آخر لك فيه مال أن يعطيه هناك، خوف غرر الطريق، قال: وقد أجازه ابن عبد الحكم للضرورة، قال سند: ومعنى قول محمد: إن للحمال مؤنة الحمل والضمان في مدة الحمل إلى ذلك البلد على صورة الإنكار، ولا يلزم الدفع إلا حيث وقع القرض إلا أن يتراضيا فيما له مؤنة لضرورة مؤنة الحمل، كما أنه لا يلزم المتعدي إلا ببلد الغصب، وإن اتفقا على غير البلد قبل الأجل فقولان، نظرا لإسقاط الحق بالرضا، أو يكون: ضع وتعجل. ومنع في الكتاب: قرض الحاج الععك على التوفية ببلد أخر، وجوزه سحنون؛ لأن الحاج لا يوفي القرض في لجة البحر، بل في بلد آخر، فإن قصد بذلك اشتراط الحمولة فسد. فرع: في الكتاب: لا تقرض طعامك على تصديقك في كيله، كأنه أخبره ليضمن نقصه إلا أن تقول له: كله وأنت مصدق. فرع: يقال: لا تقبل هدية غريمك إلا أن يعتاد مهاداتك قبل الدين، وتعلم أن هديته ليس لأجل الدين، خلافا ل(ش)، و(ح) لأنه يهاديك رجاء التأخير، فهو ذريعة لربا الجاهلية، قال سند: وأمر ابن عباس - رضي الله عنهما - بمحاسبة المديان بهديته، ورد عمر هدية أبي - رضي الله عنهما - وله عليه دين، فعاتبه فقبلها وقال: إنما الربا على من أراد أن يربي، والأصل: المنع حتى تتبين الإباحة، فما أشكل من الهدية ترك، قاله مالك، ولا تنتفع بما رهنك، ولو كان مصحفا لا تقرأ فيه وإن أذن لك، وعنه أنه إذا ابتعت موزونا بثمن إلى أجل فترك لك رطلين يجوز، وجوزه سحنون وإن كثر، قال: والعارية والمعروف والبيع واحد، وقد يجوز البيع من بعض الناس بالمسامحة لذلك، وحيث منعنا الهدية ردها أو مثلها أو قيمتها إن فاتت؛ لأنها تصرف محرم، قال التونسي: وهدية المقارض ليس كهدية المديان؛ لأن القرض ليس في الذمة، قال: بل كهدية المديان لتوقع تأخير القرض، والقرض للمنفعة حرام، ونكره هدية رب المال للعامل؛ لأنها تحمله على التمادي، قال اللخمي: اختلف في مبايعة المديان بالجواز والكراهة، فإن نزل وكان بثمن مثله أو غبن يسير حمل على السلامة، أو كثيرا امتنع، هذا قبل الأجل، ويكره الشراء بعد الأجل لئلا يتذرعا بذلك إلى هدية المديان، أو فسخ دين في دين، فإن فعلا ولم تكن مسامحة أو كانت وقضاه في الحال صح، وإلا ردت المسامحة، ويكره بيعك من الغريم خشية حمل ذلك له على أن يزيدك لتؤخره، أو يعملا على فسخ الدين في الدين، قال أبو الطاهر: أما هدية العامل قبل الشغل في المال فممنوعة اتفاقاً. البحث الرابع في أحكامه: وأصله: الندب، وقد يجب عند الضرورة المسغبة ونحوها، وهو أعظم يقبله الأحرار الممتنون من تحمل المنن، وقد قال بعض السلف: كان أحدنا لا يعد لنفسه مالا، ثم ذهب وبقي الإيثار، ثم ذهب وبقي القرض. تنبيه: وقعت في باب القرض نادرة وهي أن القاعدة: أن ثواب الواجب أعظم من ثواب المندوب، وإنظار المعسر بالدين واجب؛ لقوله تعالى: (وأن تصدقوا خير لكم)، ولأن الإبرار متضمن لمصلحة الإنظار وزيادة، فلذلك كان أعظم ثواباً منه، ولأن الأصل في كثرة الثواب والعقاب كثرة المصالح والمفاسد وقلتها. فرع: في الجواهر: يجوز اشتراط الأجل في القرض، قال صاحب (القبس): انفرد مالك دون سائر العلماء باشتراط الأجل في القرض، ويجوز التأخير من غير شرط أجماعا؛ لقوله - عليه السلام -: (إن رجلاً كان فيمن كان قبلكم استسلف من رجل ألف دينار إلى أجل، فلما حلَّ الأجل طلب مركباً فخرج إليه فيه فلم يجده، فأخذ قرطاساً وكتب فيه إليه، ونقر خشبة فجعل فيها القرطاس والألف، ورمى بها في البحر، وقال: اللهم إنه قال حين دفعها إليَّ: أشهد لي، فقلت: كفى بالله شاهداً، وقال: ائتني بكفيل، فقلت: كفى بالله كفيلاً؛ اللهم أنت الكفيل بإبلاغها. فخرج صاحب الألف دينار إلى ساحل البحر ليحتطب، فدفع البحر له العود، فأخذه فلما فلقه وجد المال والقرطاس، ثم إن ذلك الرجل وجد مركباً فأخذ المال وركب وحمله إليه، فلما عرضه عليه قال له: قد أدى الله أمانتك). وذكر هذا في سياق المدح يدل على مشروعيته، وشرع من قبلنا شرع لنا حتى ينسخ. فرع: في الجواهر: يخير المقترض يبين ردّ العين أو المثل، فإن أراد الرجوع في العين لم يكن له ذلك بعد الانتهاء للمدة المحددة بالشرط أو العادة؛ لأنه الأصل، ويمتنع تعجيل الأدنى قبل الأجل؛ لأنه ضع وتعجل، بخلاف الأجود؛ لأنه حسن قضاء. فرع: قال: ولا تمتنع الزيادة بعد الأجل في الصفة، وتمتنع في العدد على المشهور للتهمة في السلف بزيادة، والحديث المتقدم ورد في الجمل الخيار، وهو أجود صفة، والفرق أن الصفة والموصوف كالشيء الواحد بخلاف العدد، قال صاحب البيان: أجاز ابن القاسم إذا اقترض مائة قمحاً أن يأخذ تسعين وعشرة شعيراً أو دقيقاً بعد الأجل؛ لأن بيع القرض قبل قبضه جائز إذا كان المقبوض مثل حقه لا أجود ولا أدنى وإلا امتنع عند مالك وابن القاسم لإشعار ذلك بالمكايسة، وبيع القرض إنما أجيز معروفاً. هذا إذا كان في المجلس، وبعده يجوز لبعد التهمة على نفي المعروف. فرع: في البيان: إذا قرض وبيه له أخذ نصف ويبة قمحاً، وبالنصف الآخر شعيراً أو دقيقاً أو تمراً؛ لأن الويبة متجزئة كالدينارين يجوز أن يأخذ بأحدهما ذلك، وليس كالدينار يمتنع أن يأخذ بنصفه غير ذهب؛ لأنه لا يتبعض، وقال أشهب: الويبة كالدينار، واتفقا أن الويبتين كالدينارين؛ لأن التعدد في اللفظ والمعنى، ويمتنع أن يأخذ في ويبة محمولة نصف ويبة سمراء ونصف ويبة شعيراً؛ لأن السمراء أفضل، والشعير أدنى فيقع التفاضل بين السمراء والمحمولة، وبين المحمولة والشعير، ولو كانت سمراء فأخذ بنصفها شعيراً، أو كانت شعيراً فأخذ بنصفها نصف ويبة سمراء، وبنصفها محمولة جاز على أحد قولي ابن القاسم في المدونة خلافاً لأشهب. فرع: قال: قال ابن القاسم: إذا كانوا يقتسمون الماء بالقلل، وهو قدر نحاس، فيسلف الرجل صاحبه أعداداً فيتأخر للصيف حتى يغلو الماء: ليس عليه الإعطاء إلا في الشتاء؛ لأن اختلاف الفصول يوجب اختلاف المياه في المقاصد، وقال أصبغ: عليه الدفع في أي وقت طلبه إذا كان السلف حالاً لا وقت له؛ لأن المياه متماثلة. البحث الخامس: فيا يقتضي في الدين من عين ومقاصة. وقد تقدم من الضوابط والفروع في بيوع الآجال ما يناسب ذلك، ونذكر هاهنا بقية الفروع المتيسرة. قاعدة: معنى قول الأصحاب: ضع وتعجل: أن التعجيل لما لم يجب عليه بسلف له فهو حينئذ قد أسلف ليسقط عنه بعض الدين ويأخذ من نفسه لنفسه دينه، فهو سلف للنفع دون المعروف فيمتنع. قاعدة: إذا شرف الشيء وعظم في نظر الشرع كثر شروطه وشدد في حصوله تعظيماً له؛ لأن شأن كل عظيم القدر أن لا يحصل بالطرق السهلة: (حُفت الحنةُ بالمكاره)، (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين) أي: الصابرين على آلام المجاهدات. فمن هذه القاعدة: النكاح لما شرف قدره بكونه سبب الإعفاف، ومن أعظم مغايظ الشيطان، ووسيلة لتكثير العباد، وحاسماً لمواد الفساد، شدد الشرع فيه باشتراط الصداق والولي والبينة بخلاف البيع والنقدان لما عظم خطرهما بكونهما مناط الأعراض ورءوس الأموال وقيم المتلفات ونظام العالم. شدد الشرع فيهما بحيث لا يباع واحد بأكثر منه ولا بنسيئة بخلاف العروض، وكذلك الطعام لما كان حافظاً لجنس الحيوان،وبه قوام بنية الإنسان، والمعونة على العبادة، وأسباب السيادة والسعادة شدد الشرع فيه بحيث لا يباع قبل قبضه، فعلى هذين القاعدتين تخرج أكثر مسائل المقاصة في الديون. تمهيد: في الجواهر: المعتبر في المقاصة جنس الدينين وتساويهما واختلافهما وسببهما في كونهما من سلم أو قرض أو أحدهما أجلهما في الإتفاق والاختلاف والحلول في أحدهما أو كليهما أو عدمه، وأيضاً المؤجل إذا وقعت المقاصة عنه هل بعد كالحال، أو يجعل من هو في ذمته كالمسلف ليأخذ من نفسه إذا حل الأجل، وأيضاً إذا اجتمع المبيح والمانع وقصد المبيح هل يغلب المبيح أو المانع؟ وعليه اختلاف ابن القاسم وأشهب إذا كان الطعامان من سلم واتفق الأجلان ورءوس الأموال: هل تجوز المقاصة وتعد إقالة؟ قاله أشهب، أو يمنع لأنه بيع الطعام قبل قبضه؟ قاله ابن القاسم. تنبيه: قال في الجواهر: جمعت المقاصة المتاركة والمعارضة والحوالة فالجواز تغليباً للمتاركة، والمنع تغليباً للمعاوضة والحوالة، ومتى قويت التهمة وقع المنع، ومتى فقدت فالجواز، وإن ضعفت فقولان مراعاة للتهم البعيدة، فتورد الآن الفروع على هذه الأصول. فرع: في الجواهر: الدينان عين من بيع تساويا صفةً ومقداراً، وحل الأجلان، أو كالمحالين جازت المقاصة اتفاقاً لعدم ما يتوهم من الفساد، فإن اختلف الصفة والوزن أو اختلف الوزن امتنع؛ لأنه بدل العين بأكثر منه، وإن اختلفت الصفة والنوع واحد أو مختلف، وحلّ الأجلان، أو كانا حالَّين جاز إلا على القول يمنع صرف ما في الذمة، وإن لم يحل الأجلان منع على المشهور، أو يقدر المعجل سلفاً فيصير صرفاً متأخرا، ويجوز على رأي القاضي أبي إسحاق، ويقدر ذلك بالحلول، وإن اتفقا صفة ومقداراً، ولم يحل أحدهما، أو حل أحدهما (والأجلان مختلفان أو متفقان بأن...... ابن نافع إذا حملا أو أحدهما). ومنع إذا لم يحلا: اتفق الأجلان أو اختلفا. وعن مالك: المنع إذا اختلف الأجل ووقف إذا اتفق، وقول ابن نافع أجرى على المشهور إذا عقد المؤجل على حالته، لكن إذا حل أحدهما عُد حوالة إذ يجوز بما حلّ فيما لم يحل، ولاحظ ابن القاسم تساوي الديون وعدم الضمان في العين، وكل واحد منها له التعجيل، والتفت إلى بعد التهمة فأجاز، قال اللخمي: إذا كان أحدهما أجود في العين، وحلا أو حلّ الأجود أو لم يحلا، وكان الأجود أولهما حلولاً؛ جاز، وإن حل الأدنى أو هو أولهما حلولاً امتنع ودخله: ضع وتعجل، وكذلك إذا كان أحدهما أكثر عدداً فتشاركا على أن لا يترك صاحب الفضل جاز كما تقدم في الأجود، قال: وهذا الذي ذكره في الجودة إن بناه على رأي القاضي أبي إسحاق فصحيح، ومشهور المذهب ما قدمناه، وما ذكر من اختلاف العدد فإنما ينبغي أن يختلف في منعه؛ لأنه مبادلة بتفاضل مع ما يدخله ذلك على المشهور من التراخي إذا لم يحل الأجلان أو أحدهما، وإن كانا من قرض واتفاقا صفة ومقدارا وحلا أو أحدهما جاز، وكذلك إن لم يحلا على المنصوص، وقد يجري على رأي ابن نافع المنع، وإن اختلفت صفتهما واتحد الوزن واختلف نوعهما فعلى ما قدمناه، وإن حل أجلهما أو كانا حالين جاز، وإن لم يحلا لم يجز، قاله ابن القاسم وابن محرز، ويجري على المشهور، وكذلك إذا كان أحدهما من قرض والآخر من بيع: فإن اختلف الوزن يسيراً جاز؛ لأنه زيادة من أحدهما، وهي في القرض جائزة، وإن كثرت جرت على الخلاف في الزيادة في الوزن أو العدد إذا كثرت، وجوّزه اللخمي إذا كان أكثرهما أولهما قرضاً، ومنع ابن القاسم إن كان الأكثر آخرهما لأنه يتهم على سلف بزيادة، وأجازه ابن حبيب، وإن حل الأول أو لم يحلا لكن كان أقلها حلولاً امتنع، وإن حلّ الأكثر أو هو أولهما حلولاً وأولهما قرضاً؛ جاز ما لم يكن الأكثر آخرهما قرضاً على ما تقدم إذا كانا من بيع، قال اللخمي: إن كان أحدهما دنانير والآخر دراهم؛ جاز إن حلّ الأجلان، وإن لم يحلا أو أحدهما فعلى الخلاف في حكم المؤجل. فرع: قال: إن كانا طعاماً من بيع، واختلفا أو رءوس الأموال امتنع، وإن اتفقا جنساً أو رءوس أموالهم فإن اختلف الأجلان امتنع، أو اتفقا منع ابن القاسم، وأجاز أشهب نظراً للمبايعة أو الإقالة، وإن كانا من قرض واتفقا جاز حلَّت الآجال أو لم تحل، وإن كان أحدهما من قرض والآخر من بيع وحلا جاز، وإن لم يحلاّ أو أحدهما: فثلاثة أقوال: المنع لابن القاسم، والجواز لأشهب، والتفرقة إلى أجل السلم جاز، أو حل القرض وحده امتنع؛ نظراً إلى صورة المبايعة في الطعام أو الإقالة، والإقالة أولى؛ لأن الأجل في السلم يستحق دون القرض، وله حصة من الثمن. فرع: قال: إذا كانا عرضين واستويا في الجنس والصفة جاز مطلقاً، وألغي تفاوت الآجال والآمال لعدم التهمة في العروض، وإن اتفقا جنساً لا صفة واتفقت الآجال جاز؛ لأن اتفاق الأجل يضعف التهمة على المكايسة، وإن اختلفت الآجال ولم يحلا وهما من مبايعة امتنع إذا كان أحدهما أجود؛ لأن تعجيل الأدنى: ضع وتعجَّل، والأجود معاوضة على طرح الضمان، وكذلك إذا كانا من قرضين، فإن كان أحدهما قرضاً والآخر بيعاً وحل القرض، أو هو ألهما حلولاً امتنع؛ لأن الحال أو الأقرب إن كان الأجود فهو حط للضمان الواجب في المسلم بما بذله من زيادة القرض إن كان القرض الذي حل هو الأدنى، فقد وضع من السلم الذي له على أن عجل له، وضابط هذا الباب: أن ما حلّ أو أقرب حلولاً كالمقترض المدفوع عن الدين الأخير فيتقي أحد الفسادين، فيمنع، أو لا يقع في أحدهما، وقد علمت أن العرض سلماً يمتنع تعجيل الأجود منه أو الأدنى، وكذلك القرض في الأدنى لـ: ضع وتعجل، بخلاف الأجود؛ لأن له التعجيل في القرض، وإن كره ربه لإفضائه لبراءة الذمم، ويعتبر أيضاً في القرض زيادة العدد فيمتنع على المشهور. فرع: في الكتاب: تجوز الحوالة بطعام السلم على طعام القرض وبالعكس، وبطعام القرض على القرض بصفة واحدة حالين أو مؤجلين، اختلفت الآجال أم لا، أو أجل أحدهما فقط إلا أن يكون أحدهما سمراء والآخر محمولة فيمتنع، إلا أن يحلا؛ لئلا يكون فسخ الدين في الدين، ويمتنع سلم من سلم حلت الآجال أم لا؛ لأنه بيع الطعام قبل قبضه، فإن كان أحدهما من سلم والآخر من قرض وحلا والصفة، والمقدار متفق جاز؛ لأن القرض موضع المعروف، وإن لم يحلا أو أحدهما امتنع؛ لأن التعجيل يشعر بالمكايسة فيكون بيع الطعام قبل قبضه. فرع: قال: لا تأخذ في الدين الحال أو المؤجل منافع دار أو أرض روية أو ثمرة أزهت؛ لأنها يتأخر قبضها فهو كفسخ الدين في الدين، ووافقنا (ش) و(ح) في دين السلم دون دين القرض، قال سند: وعن مالك: الجواز؛ لأن تسليم الرقاب تسليم للمنافع، ولأنها لو كانت صداقاً فسلمها وجب على المرأة تسليم نفسها، ولكن كراء الدار بالدين جائز، فلو كانت ديناً لامتنع؛ لنهيه - عليه السلام - عن بيع الكالئ بالكالئ، وعنه: إذا كان هذا يستوفى قبل أجل الدين جاز، وإلا امتنع؛ لئلا يكون ربا الجاهلية، وهذا إذا كانت الدار ونحوها معينة، وإلا فلا. فرع: قال اللخمي: فسخ الدين في الدين جائز إذا فسخ دنانير حالة أو مؤجلة في مثلها جودةً ومقدارًا، أو في أدنى؛ لأنه معروف، ويمتنع في المعجل والأجود؛ لأنه سلف بزيادة أو في دراهم؛ لأنه صرف مستأخر، ولا في عرض؛ لأنه ربا الجاهلية في قولهم: إما أن تقضي أو تربي، وكذلك العرض في العين، أو قبل الأجل ليؤخره لأبعد منه؛ لأنه لا يفعل إلا بزيادة، وفسخه قبل الأجل ليأخذه عند الأجل أو بعد ذلك قبل الأجل ممنوع نقداً، ويمتنع فسخه في أقل منه قيمة. فرع: في الكتاب: لا تبع بالدين سلعة بخيار، أو أمة تتواضع أو سلعة غائبة على الصفة؛ لأنها يتأخر قبضها، قال ابن يونس: وأجازه أشهب؛ لأنهما معينان لا في الذمة ديناً. فرع: قال اللخمي: إذا أخذ طعاماً فكثر كيله فيتأخر اليومين لأجل المحمولة أجازه مالك، قال محمد: وكذلك إذا شرع في الكيل وهو يقيم شهراً لعدم التهمة في دفع ثمن التأخير. فرع: قال مالك في كتاب المديان: إذا أمرته بدفع دراهم لك عليه لمن استقرضكما فأعطاه بها دنانير برضاه جاز، وليس لك منعه، واستحب لك اتباع الأخذ بدراهم، وأختلف فيه قول مالك، ولو قبض فيها عرضاً لم تتبعه إلا بدراهم؛ لأنك إنما أسلفته ذلك فله بيعه قبل قبضه بما شاء من ذهب وعرض، ولو أمرت له بدنانير لك دين، وللمأمور عليه دراهم فله مقاصته أن حلّ الأجلان، وإن أمرته يقضي عنك دنانير فدفع دراهم فيها عرضاً أو طعاماً اتبعته بما أمرته به لا غيره من تصرفه معه، وفيه خلاف عن مالك، وأنه لا يربح في السلف، قال ابن يونس: إذا أمرته بدنانير فدفع دراهم: لمالك ثلاثة أقوال: يرجع بما دفع المأمور وهو بالخيار، ثم رجع فقال: ترجع بما أمرته، وعلى قوله: لا يربح في السلف إذا كان المدفوع عرضاً: ينبغي أن يرجع المأمور بالأقل من قيمة العرض أو الدراهم المأمور بها، وقاله جماعة من شيوخنا، قال محمد: وأما في اقل من دينار لو أمرته بنصف دينار فدفع دراهم فيها ترجع؛ لأن أمرك إنما كان بالورق، وعن مالك: يخير أن يدفع لك ما دفع من الدراهم أو نصف دينار يوم الدفع فيعطيك الأقل، ورجع عنه مالك إلى ما تقدم، فلو دفع طعاماً أو عرضاً تعين نصف دينار ما بلغ؛ لأنه عقد أجنبي عنك بينه وبين الأخذ، وكذلك لو دفع ديناراً فصرفه الطالب فأخذ نصفه ورد نصفه إلى المأمور. فرع: قال صاحب البيان: قال ابن القاسم: يمتنع وضع المرأة صداقها لزوجها على أن يُحجها، لأنه فسخ دين في دين، وإن قالت له: إن حملتني إلى أهلي فلك صداقي صدقة عليك فامتنع، فخرجت مبادرة إلى أهلها لتقطع الصدقة سقط عنه الصداق، وإن لم تخرج كذلك فلا. فرع: قال اللخمي: إذا سلمت المقاصة من الفساد الآن اعتبر ما تقدم، فإن كانا متساويين: ثمن قمح وثمن تمر امتنع على أصل ابن القاسم؛ لاتهامهما في بيع القمح بالتمر، وفي الكتاب: إلا أن يكون العقدان نقداً والأول مؤجلاً والثاني نقداً وأخذ عن المبيع أولاً مثل ما يباع به نقداً فيجوز. وإن كان الثاني أكثر عيناً امتنع، وكذلك لو كانا عرضين أسلم بعضهم لبعض فيها فإن اتفق رأس المال أو الأول أكثر جاز، أو الأول أقل امتنع؛ لاتهامهما على سلف بزيادة، وإن كان رأس مال أحدهما دراهم والآخر دنانير امتنع على قول ابن القاسم؛ لأنه صرف مستأجر، وقيل: يجوز إن كان رأس مال الأول أقل فيما يكون الصرف دون سلم الأول. فرع: قال: اختلف إذا تضمنت الصرف المستأجر أو بيع الطعام قبل قبضه هل تفسخ المقاصة خاصة لأنها المتضمنة للفساد أو المتضمنة المبيع الأخير؟ ويصح الأول، قولان، قال: والأول أحسن؛ لأن سبب التهمة ليس محققاً إلا أن تجري بينهما عادة فينفسخ البيع الأول والثاني. تمهيد: نذكر قواعد شرعية تتبنى عليها المقاصة وبيوع الآجال وما يدخل فيه سد الذرائع؛ لأن مالكاً - رحمه الله - يقدر الأسباب المبيحة معدومة، والمقتضي للفساد موجود، والتقدير من الأمور العامة في الشرع، فأبسط القول فيه فأقول: التقدير: إعطاء الموجود حكم المعدوم والمعدوم حكم الموجود، فإعطاء المعدوم حكم الموجود كإيمان الصبيان قبل تعلمهم وكذلك البالغون حالة الغفلة، وكفر أطفال الكفار وعدالة الشهود حالة الغفلة، وكذلك فسق الفساق، والإخلاص والرياء فيمن مات على شيء من هذه الصفات، فالشرع يحكم عليهم بهذه الصفات حالة عدمها، وتجري عليهم أحكامها، ويبعثهم عليها بعد الموت، وكذلك النيات في العبادات حالة الغفلة في أثناء العبادة فهو في حكم الناوي، وإن لم يكن متصفاً بالنية حينئذ، فالثابت في حقه النية الحُكمية دون الفعلية، وكذلك من تقدم، وكذلك العلم في العلماء، والفقه، والشعر، والطب، والصداقة، والعداوة، والحسد حالة الغفلة عن هذه الصفات، وكذلك خصص الله تعالى الحاسد بقوله: (ومن شر حاسد إذا حسد). ففائدة التخصيص بقوله: إذا حسد؛ ليتقي الحسد الفعلي لأنه الباعث على أذية الحسود، بخلاف الحكمي، وكذلك إذا باع عبداً سارقاً فيقطع يقدر قطعة عند البائع، ويرد عليه، وكذلك كل عيب نشأ في المبيع بسبب التدليس لا يمنع الرد، ويقدر تقدمه على ما تقدم تقريره في الرد بالعيب، والديون تقدر في الذمم، والنقدان في عروض التجارة، ويقدر الملك في المملوكات، والرق والحرية والزوجية في محالها، وإعطاء الموجود حكم المعدوم كالماء مع المحتاج له لتعطيشه، والرقبة عند المكفر المحتاج إليها، ومن النقدين إعطاء المتقدم حُكم المتأخر، والمتأخر حكم المتقدم، فالأول كمن رمى سهماً أو حجراً فأصاب بعد موته شيئاً فأفسده، فإنه يضمنه ويقدر تقدمه (في حال حياته، كالدية في القتل متأخرة الاستحقاق عن الموت لأنه سببها، ويقدر تقدمه) قبل الموت حتى يصح أن يورث عنه، والثاني كتقدير الحروف السابقة على الحرف الأخير من لفظ الطلاق والبيع وسائر صيغ العقود مع الحرف الأخير، فحينئذ يقضى عليه بأنه متكلم بتلك الصيغ، ولو لم يقدر أول الكلام عند آخره لما اعتبر الحرف الأخير، لأنه ليس سبباً شرعياً، وكذلك تقدر النية في آخر العبادات، وإن كانت متقدمة في أولها فنعده ناوياً في آخرها، وإن كان غافلاً عن النية حينئذ، بل كانت النية سابقة فر أول العبادات: ولا يكاد ينفك شيء من العقود عن التقدير، وإيراده على المعدوم، أما البيع فقد يقابل الدين بالدين إجماعاً كبيع درهم بدرهم، إلا أنه لا يتأخر، والإجارة أن قوبلت بمنفعة كانا معدومين، أو بعين كانت المنافع معدومة، والسلم والقرض يقتضي عوضه معدوماً، والوكالة إذن في معدوم، والقراض والمساقاة والمزارعة والجعالة والوقف تمليك لمعدوم تارة لموجود، وتارة لمعدوم، والرهن في دين معدوم وقد يكون ديناً بنفسه، والوصية تصح بالدين المعدوم، والعواري تمليك لمعدوم، وتمليك اللقطة مقابلة موجود بمعدوم، وحفظ الوديعة الواجب معدوم يوجد يقينا مساو كذلك منافع النكاح والنفقة والسكنى والكفالة التزام المعدوم، والحوالة بيع معدوم بمعلوم، والصلح لا يخرج عن البيع، والإجارة، والإبراء، والهبة. والعجب ممن يعتقد أن المعاوضة على المعدوم على خلاف الأصل مع أنه عماد الشريعة ومعظمها، والأوامر، والنواهي، والإباحات، والأدعية، والوعد، والوعيد، والبشارة، والنذرة، والنذور، والشروط وأجوبتها لا تتعلق جميع هذه إلا بمعدوم، فهذا التمهيد وهذه القواعد وإن كانت تتعلق بالديون فهي عظيمة النفع في أبواب الفقه؛ يحتاج إليها الفقيه حاجة شديدة إن أراد أن يكون من فحول العلماء، وبسبب الإحاطة بهذه القواعد تتضح المدارك، ويتميز الصواب في المذاهب من الخطأ، وتنشأ الفروق والتراجيح، وفي مثل هذه المواطن يتميز الجذع من القارح، والصالح لضبط الفقه من الطالح.
|